‏جعجع المسيحي: ‏كتب “محمد سلام” في الوكالة الإتحادية للأنباء

‏لم تكن مشكلتنا يوماً مع الاسلام

‏كانت مع مدعي الالحاد

‏كانت مع المتأسلمين

‏مع التكفيريين والتخوينيين

‏كانت مع عقول ما بعد الجاهلية

‏مع الأنظمة الرجعية

‏مع الظلاميين

‏لم نعد نتكلم كجعجع. تلك كانت مرحلة على طريق نضال في سبيل وطن. يومها لم يكن غيره يتكلم مثلنا، فصرنا نتكلم مثله. اليوم صرنا نستمع إلى جعجع “بيحكي مسيحي” وصرنا نعجب به، نقتنع به، نصفّق له ونفرح به – لا لأننا نتكلم مثله أو لأنه يتكلم مثلنا – بل لأنه “بيحكي مسيحي.” المرحلة لا تتطلب شخصاً يتكلم مثلنا، أو نتكلم مثله. المرحلة بحاجة إلى من يُعَبِّر عن نفسه بصدق، إلى من يكون متصالحاً مع نفسه، فخورا بدينه، عارفاً لتاريخه ومستبصراً دوره. في الأول من هذا الأيلول سمعنا نحن اللبنانيون المسلمون السنّة، جعجع المسيحي. أنا لا أقول إنه ما كان مسيحياً قبل ذلك التاريخ، ولكن أقول إننا نحن لم نسمعه مسيحياً قبل ذلك التاريخ. قال جعجع: “…منذ اللحظة الأولى لتفتّح براعم الربيع العربي انهمرت التساؤلات من كل حدب وصوب عن مصير المسيحيين في الشرق، وكأنّ تاريخ المسيحيين فيه هو من تاريخ الدكتاتوريات فيه، بدأ معها وسينتهي معها، وكأننا أتينا الى هذا الشرق مع معمر القذافي أو حافظ الأسد وسنرحل مع بشّار الأسد. كلا، وكلا وألف كلا. إنّ تاريخنا طويل ضارب في هذا الشرق. آثارنا ظاهرة جليّة لمّاعة برّاقة، على مر العهود والأزمنة: علوم وآداب وعمران وحضارة، ونور وثقافة ورجال فكر ودولة، وبطولة وشهادة ومقاومة.”

 

‏الرجل يفتخر بدينه المسيحي، لا بثقافة الديكتاتوريات العلمانية الملحدة. وقال جعجع المسيحي: “إنّ الآخر أخٌ لنا في الإنسانية. نتعاطى معه ونحدد موقفنا منه ليس انطلاقاً من دينه، ولا من عرقه، ولا من انتمائه، بل انطلاقاً من طروحاته وتصرّفاته وأعماله، ولنا في مثل السامري في الإنجيل المقدّس خير دليل على ذلك.”

 

‏الرجل، جعجع، متصالحٌ مع نفسهِ، فخورٌ بتاريخِ كنيسته، ولا يستعرض على مسامعنا تاريخ الثورة البولشفية، أو مبادئ العلمانية الغربية، أو تأثيرات الثورة الثقافية في الصين، أو شعارات البعث الكافر. 

 

‏جعجع يُشبِهُنا … لأنه مسيحي، أو ربما نحن نُشبِهُهُ لأننا مسلمون سنّة. وقال جعجع، من ضمن ما قال: ” ولا نستطيع كمسيحيين إلاّ أن نكون أنفسنا: ثوّاراً، أحراراً، روّاد ديمقراطية وحقوق إنسان، ودعاة عدالة ومساواة وانفتاح وتقدّم وتطوّر، أمّا التكهّنات المبنية على إذا وإذا وإذا، فلا يجدر بنا التوقّف عندها، لأنّ لا موقف يبنى على افتراضات غير موجودة، بعكس موقف يبنى على وقائع موجودة أكيدة، قمعاً، واضطهاداً، وقتلاً، وخراباً ودماراً وجرائم ضد الإنسانية. ” ونحن اللبنانيون المسلمون السنّة أيضاً “لا نستطيع إلا أن نكون أنفسنا: ثواراً، أحراراً، رواد ديمقراطية … ألخ” كما تكلم جعجع مسيحياً، وكما نتكلم نحن سنياً. بيضة القبان التي أخرجت صيحة ألله أكبر من حنجرة أحد الشبان في مقهى بالطريق الجديدة، قلعة السنّة في بيروت، صَدَحَت عندما ذكّر جعجع المسيحيين بأنه “لم يكن مسيحنا يوماً متردداً خائفاً جباناً، أو متخاذلاً متفرّجاً لامبالياً، بل كان دائماً في نصرة الضعيف، والمقهور والمضطهد. لم يكن يوماً مع الظالم بل دائماً أبداً مع المظلوم. فلا ننكرنّه من جديد، ولا نصلبنّه مرة أخرى. فلنكن على قدر تحديات المرحلة، ابتعاداً عن كلّ ما لا نؤمن به، وانخراطاً بشجاعة في كل ما نؤمن به، فكراً وتنظيماً ومشاركةً، إنّ التاريخ لنا بقدر ما نكون له.”

 

‏أنصفنا الحكيم،” علّق أحد المشاهدين بعدما قال جعجع: ” إنّه نظام السجون والقبور، محورُ الشرِ الفعلي، رأسه في دمشق، وأذنابه في لبنان”، سائلاً “هل رأيتم الآن من هم “التكفيريون الفعليون”؟ ومن هي ” القاعدة” في لبنان؟” صحيح أنصفنا الحكيم لأنه مسيحي فعلي ليس ناكراً لذاته أو لدينه أو لتاريخه. أرفع ما في جعجع هو أنه مسيحي، يتكلم كنفسه، يفاخر بثقافته ولا يَخجَل بطائفته. 

 

‏أروع ما في جعجع هو أننا نعجب به كما هو، وطني مسيحي، وغير مستورد من ماركس ولينين وستالين وهو شي منه وماو تسي تونغ وعلمانيات اليسار القومجي التي تحاول إلغاء كياناتنا، وليس فقط تطلعاتنا. لم نعد نتكلم مثلك يا حكيم. تطوّرنا. صرنا نُعجَبُ بِكلامِكَ المسيحي، ويُعجِبُنا أَنك ما عُدتَ تتجاهل وجودنا … السنّي. 

 

‏والله وليّ التوفيق.

 

‏*كاتب سياسي لبناني مسلم سنّي

Exit mobile version