نواب وأحزاب يستنكرون التهجم على الجيش: استهداف غير بريء

يكاد لا يمرّ ظهورٌ عامٌّ مُتلّفز لأمين عامّ حزب الله المُعيّن حديثًّا نعيم قاسم، من دون أن ينبثق بموازاته ردّات فعلٍ متفاوتة بين الأطراف السّياسيّة اللّبنانيّة، إزاء كلام الخلف الجديد، وتحديدًا بما يرتبط بمواقفه الموّجهة غالبًا إلى الداخل اللّبنانيّ، في حربٍ يخوضها حزبه بلا حدٍّ أدنى من التأييد الوطنيّ العام. ولما كان البعض يُحاجج أن كلام قاسم، ينضوي تحت “زلّة اللّسان” غير المقصودة، تُرجح تحليلات سياسيّة عدّة، لكون الخطاب هذا والذي وُصف بأنّه هجومٌ مباشر على الجيش اللّبنانيّ، هو تنفيذٌ لأجندة سياسيّة خارجيّة مريبة وخطيرة.

قاسم مسائلًا الجيش؟
ففي كلمته يوم أمس الأربعاء، قال قاسم بما حرفيته “أنا اليوم، لن أتهم، لكن أُطالب الجيش اللّبنانيّ المعني بأنّ يحمي الحدود البحريّة أن يُصدر موقفًا وبيانًا، يُبين لماذا حصل هذا الخرق (عملية الخطف الإسرائيليّة لمواطنٍ لبنانيّ)، حتّى ولو قال أنّه لم يكن قادرًا أو كان عاجزًا، فليقل ذلك أمام العالم عما هو السّبب، وأيضًا فليسأل اليونيفيل وخاصةً الألمان، ما الذي رأوه في تلك الليلة، وما الذي فعلوه. وليطّلع الناس على ذلك.. أنا لن أتحدث أكثر من ذلك، بل أُطالب الجيش أنّ يُعلن موقفه وطبيعة الحدث وأيضًا ما هو دور اليونيفيل حتّى يطلع الناس”.

وبعد الخطبة فورًا، بدأت المواقف تتهافت تباعًا، تعليقًا على هذا الكلام الذي عُدّ وكأنّه محاولة من الحزب لضرب أكبر رهان يُعوّل عليه لبنان الرسميّ لإيجاد مخرج للحرب الحاليّة الّتي يرزح تحتها، والمتمثل بالجيش اللّبنانيّ. وخصوصًا أنّ الخطاب جاء بالتزامن مع إقرار مجلس الوزراء الاعتمادات الخاصّة لتطويع المزيد من العناصر في الجيش (راجع “المدن”)، في بادرةٍ جديّة وإيجابيّة لتكريس التزاماته الوطنيّة والدوليّة بما يتعلق بتنفيذ القرارات الأمميّة وأهمها الـ 1701.  وجنح آخرون لاعتبار أن الحزب بات في معرض مساءلة أجهزة الدولة ومؤسساتها الشرعيّة ومُشكّكًا في أهليتها، بعد الخرق الإسرائيليّ الخطير في حادثة الاختطاف في البترون، من دون الانتباه لمسؤوليته المباشرة وتهوره في جرّ لبنان إلى حربٍ من غير إشراك أو استشارة أو رضى هذه الدولة وسائر الجماعات اللّبنانيّة تحت مبدأ “تقرير المصير”.

تواصلت “المدن” مع عددٍ من ممثلي الأحزاب والتيارات السّياسيّة، لتشريح موقف الحزب المتراكم على مدى أسابيع من الجيش اللّبنانيّ، وآخرها كلام أمينه العام الآنف الذكر.

تعزيز الجيش قبل مساءلته
يُعلق النائب إبراهيم منيمة، على كلام قاسم بالقول: “أعتقد أن حديثه يُجسد مقاربة الحزب من بداية نقاش تعايش المقاومة مع الجيش، والذي يعتبر أن هناك أولويّة للمقاومة على الجيش وكأنها وصية عليه، والّتي لديها احتكار لاستراتيجيّة حماية لبنان، ولو أنّها بمكانٍ ما وضعت نفسها متفوّقة وأعلى من مجلس النوّاب الذي هو من المفترض أن يُحاسب الجيش في حال أخطأ، وكأنه بات جسمًا وصيّاً على مؤسسات الدولة وهو من يُقيّم أداءها. وهذا مرفوض رفضًا كليًّا، والدولة هي من يُحاسب، وليس من منطلق أن الحزب لديه حصريّة تقييم أداء أي مؤسسة تابعة للدولة. والذي لديه مشكلة مع الجيش فليناقشها في المجلس النيابي، وليعمل على تطويرالجيش وتعزيزه وإيجاد سُبل التعاون لتمويله وتأمين علاقات طيبة مع الدول الشقيقة الّتي تدعمه، وإعطائه كافة الصلاحيات وحرية التحرك وأن يعطيه كافة عناصر القوّة، ومن ثمّ فليحاسبه، لا أن نحتكر قراره”.

يضيف منيمنة:”هناك انفصامٌ كامل في التعاطي مع هذا الملف. وحزب الله وبعد سقوط معادلة الردع، وفشل كل الوعود الّتي اطلقها لحماية لبنان من العدو الإسرائيليّ، فإن الجيش هو اليوم المؤسسة الوحيدة القادرة على حماية لبنان. وبالتالي، فإن التصويب في هذه الظروف على الجيش ليس بريئاً، وليس بمعزل عما وصل إليه لبنان، من فشل منظومة المقاومة كنموذج وكنظام حماية خارج مؤسسات الدولة ، ويدّعي أنّه لديه القدرة على مواجهة عدو همجيّ مثل إسرائيل. وأعتقد، كان ضروريًّا بالنسبة لهم، بأن يوازوا “فشلاً بفشل” بتصوير الجيش كمُقصّر في حماية لبنان”.

تحدي بناء الدولة
في سياقٍ مُتصل، يُشير النائب ميشال الدويهي لـ”المدن” بالقول: “إن التصويب على الجيش اللّبنانيّ بهذا التوقيت وبهذا الشكل، لا يُفيد تحدي بناء الدولة اللّبنانيّة واستعادة هيبتها في اليوم التالي بعد الحرب، لاسيما أن هذه المؤسسة الوحيدة الّتي تحظى بإجماعٍ وطنيّ عليها وعلى دورها في المرحلة المقبلة، وتحديدًا بما يتعلق بتنفيذ القرارات الدوليّة وعلى رأسها الـ 1701 بكامل مندرجاته”. ويردف الدويهي “في السّياسة فإن التصويب على الجيش وبالرغم مما حصّل في البترون والذي أوضحه قائد الجيش للحكومة، وكأنّ هناك أطراف في هذا البلد معتبرة أنّه لا يجب أن نستخلص العبر بما حصل في لبنان في السنة الأخيرة وتحديدًا في الشهرين الأخيرين وعلى وقع الهجوم الوحشيّ الإسرائيليّ على الأراضي اللّبنانيّة”.

ويختم قائلاً:”علينا التكاتف جميعًا كلبنانيين، وتحديدًا بالنظر لدور الجيش في عملية التكاتف هذه. وفي المرحلة التالية، لا يجب أن نكون سوى معتنقين لخطابٍ هادئ وموزون، تحت العنوان الكبير وهو عودة جميع اللّبنانيين إلى الدولة ومنطق الدولة، كما أُسميه”.

“شرخ لا حاجة له”
“ليس وقت الحديث عن هذا الموضوع”، بهذا التعبير أجاب النائب بلال عبدالله على سؤال “المدن” وقال: “قاسم لم يُوفّق بموقفه هذا ولا ردود الفعل عليه كانت موفّقة، لأن الشرخ بين المقاومة والجيش في هذه المرحلة الدقيقة من البلد هي “مقتل للبلد”، وكل عملنا كلقاءٍ ديمقراطيّ على المحافظة على النسيج الداخليّ، وهذا السّجال بخارج مكانه والبلد بحاجة لكل أبنائه. فمن يقاوم ضدّ إسرائيل، ومن يحمي البلد ووحدة البلد هو الجيش، وكل ما يُفرّق بين اللّبنانيين يجب الابتعاد عنه”.

تهديدات ساقطة
ينطلق رئيس جهاز الإعلام والتّواصل في حزب القوّات اللّبنانيّة شارل جبور، في تعليقه على كلام قاسم، بتشخصيه بدايةً ومن ثمّ الخوض في خلفيته، بالقول: “لا يحقّ لنعيم قاسم ولا لحزب الله، أن يشنّ حملة مسعورة وأن يلوم الجيش اللّبنانيّ، بعد أن صادر قراره. فلو كان الجيش قد ارتكب تقصيراً وهو بيده القرار فيحقّ لأيّ طرفٍ لبنانيّ أن يلومه، لكن الجيش مُصادر القرار. فمن، بسبب إدعاءاته بالقوة، انتهكت إسرائيل لبنان واستباحته، لا يحقّ له أن يلوم الجيش اللّبنانيّ. والذي كان يؤكد دومًا على نظريّة “جيش شعب مقاومة”، لأنّه يُريد أن يكون الجيش أداة بيده، وعبدٌ مأمور لسياساته. وعندما رأى أن الجيش مستقلّ عن هذه المهزلة، أراد أن يوصل رسالة له”.

أما بخلفية الموقف، فأضاف جبور: “كلنا ندرك، أن الأولويّة المطروحة على الطاولة، هي تنفيذ القرار 1701، والشيخ نعيم ومن لفّ لفيفه، يريدون الـ 1701 بنسخة العام 2006، أي بالنسخة الّتي يُحافظ فيها الحزب على مواقعه العسكريّة والأمنيّة جنوب الليطاني، ولا يُريد تنفيذ دقيق للقرار من قبل الجيش واليونيفيل، وبالتالي يوجه رسالة إلى الجيش والولايات المتحدّة الأميركيّة، بأنّ إيران لن تسلم الحدود اللّبنانيّة إلى الجيش واليونيفيل، وبأنّ هذه الحدود ستبقى معها وأنّها شريكة بالتنفيذ، وبحال الجيش أصرّ أن يُنفذ القرار الدوليّ، فهم سيأخذون مواقف تصعيديّة منه. وتبدأ هذه المواقف من رفض التمديد لقائد الجيش وصولًا إلى التهديد بـ “فرط” الجيش. وبتقديري كل هذه التهديدات بعيدة عن الواقع وهو غير قادر على تنفيذها، فزمن سيطرة الحزب وإيران على السّاحة الوطنيّة انتهت وبالتالي، كل هذه التهديدات غير قابلة للترجمة، والشعب اللّبنانيّ يقف خلف جيشه، الذي لو كان ممسكًا بالحدود لما حصلت الحرب ولا تهجّر الشيعة ولا تهجّر اللّبنانييون”. ويضيف “الشيعة في الطليعة وجميع اللّبنانيين يريدون الجيش أن يُسيطر على هذه الحدود، كي لا تتجدّد فصول الحرب والموت والخراب والتهجير. والرسالة الّتي يريد إيصالها الحزب للجيش هي إنذاره ومنعه من تنفيذ الـ 1701، وهذا يندرج ضمن سياق الرسائل التهديديّة للجيش والولايات المتحدّة الأميركيّة”. يستطرد جبّور خاتمًا: “هناك قرار دوليّ واضح، لن يسمح ببقاء لبنان ساحة لإيران. وأمام المسؤولين اللّبنانين  خياران، إما أن تستمر الحرب أو أن يأخذوا قرارا بأن تتحمل الدولة وحدها مسؤولية نفسها، وأن يُسلّم حزب الله سلاحه للدولة، وما لم يُسلمها فيعني استمرار الحرب وفصولها.

                                                                                                                                                                            المدن

Exit mobile version