في ذكرى ال107 لوعد بلفور المشؤوم، يقول الصهيوني الأميركي ستيفن وايز، أن وجود فلسطين عربية، هو تهديد لبريطانيا العظمى، ووجود فلسطين يهودية هو مكسب لبريطانيا العظمى وبركة للعالم.
هذا القول قيل في لقاء جمع في نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية، القادة والمفكرين الحركة الصهيونية في الإحتفال في وصول عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين نحو 175 ألف،
ولأنه قيام إسرائيل مرتبط في الأساس، بالدعم البريطاني منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحتى صدور وعد بلفور المشؤوم، الذي يعتبر المحرك الأساسي والأكبر لوقوع النكبة في العام 1948.
وكانت هناك سلسلة طويلة من المشاريع والمخططات والمؤتمرات والندوات، التي مهدت لتأسيس إسرائيل، و أدت فيها بريطانيا دورا محوريا لم يكن للحركة الصهيونية أن تتقدم لولاه.
التمهيد البريطاني لنكبة الفلسطينية
أهتمت بريطانيا منذ منتصف القرن التاسع عشر، في فكرة إنشاء وطن قومي لليهود، فوجود قوة صديقة بالقرب من قناة السويس _ مصر، يصب في مصلحة الإمبراطورية البريطانية، الرامية إلى ترسيخ سيطرتها في الشرق الأوسط، وتأمين نفوذها على المعابر البحرية، التي تصلها في مستعمراتها في شرق آسيا، خصوصا مع تدهور وإنهيار الدولة العثمانية، أخذ القادة والسياسيون البريطانيون، يروجون لفكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وأدرك قادة الحركة الصهيونية، أن أقوى أمل في إقامة دولة يهودية في فلسطين هو بريطانيا.
قد يكون لدينا في غضون 20 إلى 30 عاما، مليون يهودي هناك، وسيشكلون حرسا فعالا للغاية لقناة السويس
تقول رسالة رئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمن في العام 1914، إنه “إذا وقعت فلسطين ضمن دائرة النفوذ البريطاني، وشجعت بريطانيا الأستيطان اليهودي هناك، فقد يكون لدينا في غضون 20 إلى 30 عاما، مليون يهودي هناك، وسيشكلون حرسا فعالا للغاية لقناة السويس”، لذلك عمل حاييم وايزمن على تأسيس روابط مع قادة وسياسيين بريطانيين، منهم الوزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور، والدبلوماسي مارك سايكس، مع توالي هزائم الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث وقعت بريطانيا وفرنسا إتفاقية سايكس _ بيكو _ في أيار / مايو العام 1916. لتقسيم الشرق الأوسط والعالم العربي فيما بينهم، على أن تكون فلسطين تحت إدارة دولية، لكن مارك سايكس كان يدفع في إتجاه نجاح المشروع الصهيوني في فلسطين، وتخطى الإدارة المشتركة مع فرنسا، ومهد ذلك لإصلاح الرسالة المعروفة بوعد بلفور في نوفمبر / تشرين الثاني _ العام 1917، والتي نصت على أن بريطانيا، تنظر بعين الإعتبار إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، على ألا يجري أي شيء قد يؤدي إلى الأنتقاص، من الحقوق المدنية والدينية لجماعات الأخرى المقيمة في فلسطين. ووصفت الرسالة بأنها وعد من لا يملك لمن لا يستحق، لأن بريطانيا لم يكن لها أي حق سياسي وشرعي وقانوني في فلسطين، وتعتبر هي الممهد الرئيسي والأساسي لفتح هجرة اليهود بقوة، وقيام إسرائيل لأحقا في العام 1948.
تتوقف مقاومة الفلسطينيين لمشروع الصهيوني وشكلت منظمات فلسطينية سرية شبه عسكرية
وبعد شهر من وعد بلفور المشؤوم سقطت الدولة العثمانية، ودخلت القوات الجيش البريطاني لمدينة القدس في يوم 11 ديسمبر / كانون الأول _ 1917، وعقد مؤتمر سان ريمو في العام 1920، الذي تقاسمت في موجبه فرنسا وبريطانيا المنطقة، ليبدأ عهد الإنتداب البريطاني في فلسطين في حالة إدارية وسياسية و إقتصادية، تسمح في إنشاء وطن قومي لليهود ودعمت شراء الوفود الصهيونية للأراضي الفلسطينية، من أجل بناء المستوطنات، مما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين قسرا من بيوتهم وفرضت ممارسات تمييزية واضحة ضد الشعب الفلسطيني، أدت إلى صعوبة أوضاعهم الإقتصادية و منعتهم من حمل السلاح في حين سمحت لليهود بذلك, بدعوى أنهم أقلية تحتاج إلى الدفاع عن النفس، وتدريجيا تحول اليهود من أقلية يهودية حيث من 84 ألف في العام 1922، إلى 650 ألف في العام 1948 إلى جماعة لها ثقلها العددي في فلسطين, في المقابل تتوقف مقاومة الفلسطينيين لمشروع الصهيوني وشكلت منظمات فلسطينية سرية شبه عسكرية، كانت أهمها حركة الشيخ عز الدين القسام، الذي أستشهد على يد القوات الجيش البريطاني في العام 1935، أشعل إندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى، التي أستمرت ثلاث أعوام من 1936_ 1938، وقمعتها بريطانيا بكل أنواع القمع .
كما عانى الفلسطينيون من بطش وإرهاب العصابات الصهيونية، التي تلقت التدريب و الدعم من قبل الجيش البريطاني، ووصل عددها إلى 40 ألف، وتبع هذه الفترة تحول الثقل العسكري والسياسي، من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، في مؤتمر بالتمور في العام 1942، إثر الجهود لحركة الصهيونية في جذب وإستمالة الزعامات والشخصيات الأميركية، عن طريق الدعاية ورأس المال.
ومع تراجع دور بريطانيا، أحيلت مسألة فلسطين إلى الأمم المتحدة، التي خرجت بخطة لتقسيم فلسطين في العام 1947، حيث خصصت 55 بالمئة من مساحة أراضي فلسطين لليهود، الذين كانوا يسيطرون على أقل من 7 بالمئة فقط آنذاك، وبعدها قوبلت الخطة برفض عربي وفلسطيني وترحيب صهيوني، أما على الأرض الواقع فقد سيطر الصهاينة على عشرات البلدات والمدن والقرى الفلسطينية، وطردوا سكانها الفلسطينيين من بيوتهم بالقوة والإرهاب، تحت أنظار سلطات الإنتداب البريطاني، و بعد محو 30 عاما من الإنتداب البريطاني على فلسطين، أعلن عن قيام إسرائيل في 14 أيار/ مايو العام 1948، حيث أستخدم تعبير مصطلح النكبة، لوصف العمليات التهجير القسري الجماعي والمجازر والمذابح الدموية، التي قامت فيها العصابات الصهيونية الإرهابية، لطرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من أصل مليون ونصف تقريبا، من منازلهم و أراضيهم في فلسطين وإحلال اليهود مكانهم، في سبيل ذلك أرتكبت الميليشيات والعصابات الصهيونية، أكثر من 70 مجزرة ومذبحة بحق الشعب الفلسطيني، تصنف في إطار جرائم الحرب و الإبادة الجماعية، حيث سيطرت العصابات الصهيونية على 774 مدينة وبلدة وقرية فلسطينية، ودمرت نحو 531 منها بالكامل، وطمست معالمها التاريخية والحضارية، وما تبقى منها تم إخضاعه إلى كيان العدو الإسرائيلي و قوانينه، وبهذا صار أكثر من ثلاث أرباع مساحة فلسطين التاريخية تحت الإحتلال الإسرائيلي.