لبنان

الشعب لا يُخدع من «محور».. مرتين!

قام محور المقاومة قبل مساندة غزة وبعدها، بإيهام الشعب اللبناني وخاصة بيئة المقاومة، بقدرته على إقامة توازن الرعب مع العدو الإسرائيلي، وبإجباره على التقيد بقواعد الإشتباك الضمنية  التي نشأت بعد حرب تموز 2006، والتي قامت على معادلات القصف المتبادل للمدن والقرى بالعمق، وعلى إستهداف ذات نوعية الأهداف، وعلى إمكانية فرض حصار بحري متماثل عند إندلاع أية حرب مقبلة بين لبنان وإسرائيل، وذلك من خلال التصاريح التلفزيونية والخطابات والمؤتمرات الصحفية لقادة المحور ومسؤوليه، ومن خلال المحللين المنفصلين عن الواقع، والذين يُشبهون المبصّرين والبصّارات الذين يقرأون في الفنجان، ويدّعون معرفة حقائق الأمور عن ما يمتلك هذا المحور من قدرات عسكرية، ويقولون ما تمليه عليهم الدوائر الإعلامية التي يزورونها، قبل كل إطلالة لهم على الوسائل الإعلامية، طمعاً بحفاوة معنوية أو إكرامية مادية.

انقلبت الوعود باجتياح الجليل الأعلى، إلى دخول الجيش الإسرائيلي الى القرى الحدودية وتدميرها وجرفها، وتفجير الأنفاق التي أقامتها المقاومة فيها

لقد بيّنت الأحداث الكبيرة المتسلسلة التي جرت في سياق الحرب الدائرة، وخاصة ما حدث من قصف وتدمير لبيروت ومدن الجنوب وقراه، ومن عمليات إغتيال لكبار القادة في المقاومة داخل لبنان وخارجه، والتي تمثل نقطة الذروة في التصعيد الإسرائيلي،وكذلك محدودية الرد على هذه العمليات، وعدم توازنها بالأسلحة والأهداف النوعية والقدرة التدميرية، وانقلبت الوعود باجتياح الجليل الأعلى، إلى دخول الجيش الإسرائيلي الى القرى الحدودية وتدميرها وجرفها، وتفجير الأنفاق التي أقامتها المقاومة فيها.

كما ظهر التفوق التكنولوجي للعدو، من خلال الأسلحة النوعية التي يمثلها، وخاصة طائرات الإستطلاع، التي تقوم بجمع المعلومات من خلال التنصت على الإتصالات والتصوير والقصف وتوجيه القذائف والصواريخ.

أقنع المحور جمهوره، أن جيوشه الجرارة سوف تقوم بالهجوم على اسرائيل دفعة واحدة ومن كل الجبهات وبأسلحة نوعية، وسيكتب النصر المحتم لها خلال ساعات معدودات، وأن صلاة الجماعة سوف تكون في المسجد الأقصى عند الزوال. فإذا أهل الجنوب والبقاع والضاحية، هم وحدهم من يُحارب بهم ويدفعون ثمن هذه الحرب، تهجيراً ودماراً وقتلا

أقنع المحور جمهوره، أن جيوشه الجرارة سوف تقوم بالهجوم على اسرائيل دفعة واحدة ومن كل الجبهات وبأسلحة نوعية، وسيكتب النصر المحتم لها خلال ساعات معدودات، وأن صلاة الجماعة سوف تكون في المسجد الأقصى عند الزوال. فإذا أهل الجنوب والبقاع والضاحية، هم وحدهم من يُحارب بهم ويدفعون ثمن هذه الحرب، تهجيراً ودماراً وقتلاً، ولا يجدون ناصراً لهم ولا معين. وتخلّت عنهم دول المحور، التي كل همها إبعاد الكأس المُرة عن أراضيها، وباتوا على أرصفة الطرق، تتلقفهم مبادرات جمعيات المجتمع المدني والمدارس والأديرة والبلديات، بالإضافة إلى مواطنيهم من الطوائف المختلفة، والذين صُوِّروا على أنهم هم أعداء الداخل. فاكتشف القليل منهم حقيقة الأمر، وتمسك أصحاب الفكر الإيديولوجي المغلق بأفكارهم القديمة، التي تم زرعها في رؤوسهم من خلال النظام التعليمي الديني المتطرف، الذي فشل في بناء مواطنين متساوين في حقوقهم وواجباتهم، بل قام بتربية الأجيال على النظرة المتعالية ضد الآخر، وعلى الفكر المغلق البعيد عن كل انفتاح على الحوار وتقبل الآخر، وعلى التصنيف القيمي المسبق للفئات الأخرى من الشعب اللبناني، على أساس المعتقد، وممارسة الشعائر الدينية وطريقة العيش في الحياة اليومية.

واليوم يأكل المهجرون ويشربون مما ينتجه ويبيعه أبناء الطوائف الأخرى، ويشترون من متاجرهم ويتطببون عندهم، دون أن يشكل ذلك إشكاليات شرعية، كما كان رجال دين أغبياء يصوّرون ذلك لهم، على أنه حرام ولا يجوز.

اليوم يأكل المهجرون ويشربون مما ينتجه ويبيعه أبناء الطوائف الأخرى، ويشترون من متاجرهم ويتطببون عندهم، دون أن يشكل ذلك إشكاليات شرعية، كما كان رجال دين أغبياء يصوّرون ذلك لهم، على أنه حرام ولا يجوز

كما تم زرع فكرة ضعف الدولة في رؤوسهم، وأن الطائفة هي دارهم الحصين من طمع الطوائف الأخرى، وأنهم قادرين على حماية أنفسهم ضد الداخل والخارج، دون الحاجة الى المساندة والمساعدة من أحد. فإذا بهم يواجهون المجتمع الدولي والعدو منفردين، غير قادرين على تحقيق أهدافهم، ومحرومين ممن يدافع عنهم ويتضامن معهم، في مواجهة التهم والقرارات الدولية ضدهم.

يطل علينا بين الفينة والأخرى، من يصرُ على جدوى وفعالية ما سُمي بمساندة غزة، بعد كل ما حصل فيها من قتل وتدمير حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سنة، وكأنه يستخف بعقول الناس ويعتبرهم لا يعرفون كيفية التمييز بين الربح والخسارة، ولا يقيم وزنا لكل ما يعانون منه، ويطلب منهم المزيد من الصبر، وإعطائه المزيد من الوقت والدمار والقتل والتهجير، وتحمل الفقر والمبيت في العراء. ويعِدهم بالنصر الذي يلوح في مخيلته وتخيلاته، دون شعوره بالذنب، لكل ما تسبب به من آلام لهذا الشعب ودفعه للشباب الى الموت المحتم، ويوزع عليهم المراتب في الجنة، التي لا يملك لنفسه حق دخولها أصلاً، ويبارك لهم ولأهاليهم كون الجنة ملكه، وله الحرية أن يهب الدخول اليها أو منعه عن الناس.

لقد وصلتم الى مواجهة الحقيقة، فالشعب لم ينس كيف تقلّبتم في علاقاتكم الدولية، التي تسببت في الكثير من المصاعب للبنان، كما أصبح يعلم بمدى إرتباطكم بمصالح الدول الإقليمية، أكثر من إرتباطكم بمصلحة لبنان

يا أيها من تدّعون أنكم مسؤولون ومنحتم لأنفسكم حقاً لا تملكونه أصلاً، مِن تسلط على أرواح الناس وممتلكاتهم وأرزاقهم ودمائهم، وصادرتم حق الدولة والمواطنين الأخرين بالدفاع عنها على طريقتهم، ألا ترون بعد كل هذا الوقت الذي أخذتموه لتجاربكم، والدمار الذي تسببتم به للبنان، أنكم فشلتم وتخليتم عن شعبكم، وأن نسبة العملاء في صفوفكم أعلى منها عند أي فريق أخر؟

لقد وصلتم الى مواجهة الحقيقة، فالشعب لم ينس كيف تقلّبتم في علاقاتكم الدولية، التي تسببت في الكثير من المصاعب للبنان، كما أصبح يعلم بمدى إرتباطكم بمصالح الدول الإقليمية، أكثر من إرتباطكم بمصلحة لبنان، ويعلم أيضاً أنكم سببتم له الدمار الكامل مرتين في ربع القرن الأخير، وبأن حساباتكم دائماً هي خطأ لأنها مبنية على الغيب، الذي لا قاعدة ملموسة له سوى التمنيات والدعاء، الذي هو وسيلة غير الواثق من نفسه، والضعيف والخائف من الرسوب في الإمتحان.

بعد اليوم أصبح من الصعب خداع الشعب مرتين، فلقلة التي تردد شعاراتكم كالببغاء، لم يعد صوتها يعلو على الفكر المبني على النقد، الذي كسر حاجز الخوف، وأصبح يطالب بمحاكمتكم، لأنكم لعبتم بمصيره.

جنوبية