لبنان

قراءة في الإتفاقات والقرارات..وتساؤلات حول تنفيذ الـ1701

إن تنفيذ أي قرار يتعلق بمصلحة الوطن، لا بد أن يستند إلى إرادة سياسية وطنية صلبة، تُعبّر عنها صياغة لغوية بليغة ودقيقة لا تحتمل الشك، ولا تُفسح المجال لقراءات وتفاسير مختلفة للنصوص، من قبل رجال السياسية والقانون. وينسحب هذا الأمر على الإتفاقات والقرارات الدولية، وخاصة المتعلقة بحقوق لبنان وحفظ أمنه، ومستقبل أجياله في العيش في دولة مستقلة قوية وعادلة، تحفظ حقوق المواطن وتؤمِّن عدالة التنمية وتوزيع الثروة.

تظهر أهمية التوافق بين اللبنانيين، كأساس لكل القرارات الوطنية والدولية المتعلقة بلبنان، نذكر على سبيل المثال الميثاق الوطني عام 1943، الذي أمّن فترة من الإستقرار للبنان، وإتفاق الطائف 1989 بين الأطراف اللبنانية، الذي نصّ في جزء منه على بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وحل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية (فلسطينية، إيرانية، سورية….) وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود في الجنوب. لكن الخلافات السياسية في لبنان، منعت تطبيق هذا الإتفاق بالكامل، لأسباب مختلفة طائفية وسياسية داخلية وخارجية إقليمية ودولية.

 

الخلافات السياسية في لبنان منعت تطبيق إتفاق الطائف بالكامل لأسباب مختلفة طائفية وسياسية داخلية وخارجية إقليمية ودولية

في العام 2004 ،صدر القرار رقم 1559 عن مجلس الأمن الدولي، على ضوء الخلافات السياسية الداخلية والدولية حول الوضع في لبنان، وخاصة وجود الجيش السوري، وقد دعا القرار إلى (إنسحاب جميع القوات الأجنبية المتبقية من لبنان ونزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتمديد سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، والاحترام الصارم لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية، ووحدته واستقلاله السياسي، تحت السلطة الوحيدة والحصرية للحكومة اللبنانية في جميع أنحاء لبنان). ولم يتم تنفيذ هذا القرار بسبب عدم التوافق الوطني، وعدم وجود قوة قادرة على تنفيذه واختلال موازين القوى الداخلية.

في العام 2006، صدر القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، الذي نصّ على وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، بغية التوصل لاحقاً إلى وقف إطلاق نار دائم وحل طويل الأجل، وإنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة غير شرعية.

كما أكد على تنفيذ مندرجات القرار 1559، وما ورد في إتفاق الطائف من حل للميليشيا ونزع سلاحها في لبنان، ومنع وجود قوات أجنبية ومنع مبيعات معدات وإمدادات الأسلحة. وهذا القرار لم يتم تنفيذه أيضاً، بسبب عدم التوافق على تنفيذه وبسبب الخلافات السياسية على شرعية سلاح المقاومة، على الرغم من البيانات الحكومية التي أقرّت بحق المقاومة في مقاومة العدو الإسرائيلي.

 

من سيفرض على إسرائيل وقف أعمالها العدائية ضد لبنان؟

بتاريخ 26 تشرين الثاني 2024، صدر إعلان مشترك من قبل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، بوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، يتضمن إضافة ترتيبات أمنية إلى قرار مجلس الأمن 1701، وهذه مفارقة غريبة من حيث الصلاحية، لإدراج إضافة من قبل دولتين على قرار أممي، والتي إعتبرها مجلس الوزراء المنعقد في 27/11/2024، جزءاً لا يتجزأ من هذا القرار. مع التشديد على التزامه بقرار مجلس الأمن رقم 2749 تاريخ 28/8/2024، الداعي للتنفيذ الكامل للقرار 1701، ووقف الأعمال العدائية عبر الخط الأزرق. ومن التساؤلات على بعض بنود الإعلان بعد قراءتها:
في البند الأول: من سيفرض على إسرائيل وقف أعمالها العدائية ضد لبنان؟

 

البند الثاني: هل تملك الحكومة اللبنانية القدرة على منع “حزب الله” والجماعات المسلحة الأخرى (فلسطينية وجماعة إسلامية وأحزاب أخرى) من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وما هي الأهداف التابعة للدول الأخرى، التي سوف تمتنع إسرائيل عن مهاجمتها، ومن يحدد طبيعة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان ما إذا كانت هجومية أم دفاعية؟
البند الثالث: هل تملك الدولة اللبنانية القدرة على تنفيذ القرار 1701 بالكامل؟

 

هل تملك الحكومة اللبنانية القدرة على منع “حزب الله” والجماعات المسلحة الأخرى (فلسطينية وجماعة إسلامية وأحزاب أخرى) من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل؟

البند الرابع: هل ستعتبر إسرائيل ضرب أي نشاط عسكري للمقاومة في لبنان دفاعاً مشروعاً عن النفس؟
البند السادس: هل تملك الحكومة اللبنانية القدرة، على منع إعادة تأسيس وإعادة تسليح الجماعات المسلحة، ومراقبة استيراد الأسلحة والمواد التي تدخل في صنعها وإنتاجها داخل لبنان؟
البند السابع: هل تملك الحكومة اللبنانية القدرة على تأمين حرية القوى الأمنية، مداهمة مخازن الأسلحة ومصانع السلاح التابع للمقاومة، وفي المخيمات ومصادرتها وتفكيكها، وهل بإمكانها السيطرة على المعابر الحدودية؟
البند الثامن: هل الجيش اللبناني قادر على نشر 10000 جندي في قطاع جنوب الليطاني، وما هو الوقت اللازم لتأمين الدعم الدولي للقوى المسلحة اللبنانية لتأمين هذا الإنتشار؟

 

هل الجيش اللبناني قادر على نشر 10000 جندي في قطاع جنوب الليطاني وما هو الوقت اللازم لتأمين الدعم الدولي للقوى المسلحة اللبنانية لتأمين هذا الإنتشار؟

البند التاسع: هنا تظهر بوضوح المطالبة بتغيير الآلية الثلاثية (اللجنة الثلاثية)، التي كانت تعقد في الناقورة بين ثلاثة أطراف، “اليونيفل” والجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، لتسوية الخروقات على الخط الأزرق من كلا الطرفين، بحيث تصبح خماسية بعد أشراك فرنسا والولايات المتحدة التي سوف تترأسها، لمراقبة تنفيذ الأعمال العدائية، وهذا يعد إنتقاصاً من مهمات “اليونيفيل” وعدم ثقة بعملها. ويضع سلطة هذه اللجنة بيد الولايات المتحدة الأميركية، مع ما يشمل مفهوم الأعمال العدائية من أعمال فضفاضة وواسعة وغير محصورة. وهل سيكون هناك توافق لبناني على مصادرة الأسلحة، وتوقيف الجماعات المسلحة من قبل الجيش اللبناني، وعلى مراقبة اللجنة والولايات المتحدة لأي خرق من قبل حزب الله للجيش اللبناني؟ وهذه مسألة سيادة بالنسبة للبنان.
البند العاشر: آلية تفتيش الأماكن وجمع المعلومات، سوف يتم وضعها من قبل هذه اللجنة، حيث كانت قوات “اليونيفيل” تطلب مواكبة الجيش اللبناني مسبقا للقيام بذلك. وهل سيقبل الأهالي بذلك أم سوف يعترضون كما في السابق؟

 

آلية تفتيش الأماكن وجمع المعلومات سوف يتم وضعها من قبل هذه اللجنة حيث كانت قوات “اليونيفيل” تطلب مواكبة الجيش اللبناني مسبقا للقيام بذلك هل سيقبل الأهالي بذلك؟

البند الثالث عشر: سوف تشرف الولايات المتحدة على المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، لحل الخلاف على النقاط المتنازع عليها على طول الخط الأزرق، بالشراكة مع اليونيفيل التي كانت تقوم وحدها بذلك.
وذُكر في نهاية الإعلان أن الولايات المتحدة وفرنسا سوف تقود جهود دولية، لدعم بناء القدرات والتنمية الإقتصادية في جميع أنحاء لبنان، لتعزيز الإستقرار والإزدهار. فهل هذا مؤشر على عدم السماح لأية دولة بتقديم مساعدة للبنان إلاّ عبر هذه اللجنة؟
بناءً على كل ما ورد من ملاحظات على هذا الإعلان، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية نصّبت نفسها حاكماً وقاضياً و”مستعمراً” بيده المطرقة والسلطة القانونية، التي سوف تحاكم من تشاء بناءً على توصيف الحاكم العسكري رئيس اللجنة المذكورة، بحيث أن سلطته وكلمته سوف تكون هي الفصل في كل أمر.
فهل هذه الشروط تتناسب مع التوافق الوطني، وهل هي نابعة من إرادة وطنية سوف تقودنا إلى بر الأمان، أم هي إسقاطات على مجتمع لا يمكن أن يحكم إلاّ بالتوافق والإرادة الوطنية الجامعة؟ ولنا في التجارب السابقة مع القرارات الداخلية والدولية الخارجة عن التوافق خير دليل على الجواب.

دمار جنوب لبنان
دمار جنوب لبنان
جنوبية