يتمركز الرئيس نبيه بري على الخط الأمامي لمعركة ديبلوماسية صعبة وقاسية، لا تقلّ خطورة وشراسة عن المواجهة الميدانية التي اتسعت على نطاق كبير، وازدادات عنفاً منذ النصف الثاني من ايلول الماضي.ليس خافياً انّ دور بري أصبح أكثر حيوية وحساسية بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، إذ باتت المسؤوليات الملقاة على عاتقه أكبر وأثقل، سواء على مستوى الطائفة الشيعية او مستوى ما يمثله في الدولة اللبنانية.
ويخوض بري «المنازلة الديبلوماسية» مع الموفدين الأجانب، خصوصاً المفاوض الاميركي آموس هوكشتاين، بالتناغم والتفاهم الكاملين بينه وبين «حزب الله» الذي يمحضه ثقة تامة، ترسّخت خلال فترة تولّي السيد نصرالله موقع الأمانة العامة، واستمرت بعد استشهاده من خلال تأكيد نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم تفويض «الأخ الأكبر» مسألة التفاوض على وقف إطلاق النار.
يعرف بري جيداً دقّة موقعه الذي يقع عند التقاطع بين الطائفة والدولة في مرحلة مفصلية، ويدرك انّ استشهاد رفيق الدرب السيد نصرالله وضعه أمام تحدٍ غير مسبوق، بعدما تضاعف حجم الدور المناط به لحماية مصير الطائفة الشيعية ومصالحها الاستراتيجية في مواجهة أشرس عدوان اسرائيلي، ولمنع إلحاق أي هزيمة سياسية بها او بالدولة اللبنانية التي يشكّل أحد اركانها، وصولاً الى الحؤول دون حصول اي اختلال في التوازنات الداخلية والثوابت الوطنية.ويعرف بري كذلك، انّ حليفه الأساسي في هذه المهمّة هو الميدان القتالي، الذي كلما صمد فيه المقاومون وراكموا الإنجازات، تحسنت الشروط التفاوضية للبنان وتعززت قدرته على انتزاع حل سياسي متوازن. ولذلك يضع رئيس المجلس عيناً على الجبهة وأخرى على الديبلوماسية.
وبري الذي خاض أشرس المفاوضات مع الاميركيين على وقف إطلاق النار عام 2006، بات خبيراً في مناورات الموفدين وتكتيكاتهم، وأصبح متخصصاً في تفادي المكامن المنصوبة بين السطور واحتواء الضغوط الناعمة والخشنة، وبالتالي هو يستثمر هذه الخبرة المتراكمة للتعامل مع تحدّيات التجربة الحالية.
بناءً عليه، بدا بري مهيئاً لمواجهة الضغط الراهن، سواء ذاك المتأتي من تصاعد العدوان العسكري او من داخل الحقائب الديبلوماسية المموهة، مدركاً انّ المحك الأساسي هو عدم الصراخ في حرب عضّ الأصابع، مهما اشتد الألم.وليس خافياً انّ بعض الرسائل السياسية والاستهدافات العدوانية (كتلك التي تعرّض لها وسط مدينة صور امس) إنما تختزن ضغوطاً على بري لدفعه إلى تقديم تنازلات جوهرية بالترافق مع زيارات هوكشتاين وغيره، الأمر الذي ردّ عليه رئيس المجلس أمام زواره قبل أيام بتأكيد ثباته في المفاوضات على الموقف الذي يحمي حقوق لبنان وكرامته، قائلاً: «إرادتي مثل البريستو (طنجرة presto) وأنا لا أمشي تحت الضغط، سواء كان نارياً ام سياسياً..» ويضيف: «كله يهون أمام أرض الجنوب».
ويشير بري، وفق زواره، إلى أنّ «لا مناص في نهاية المطاف من العودة إلى القرار 1701 مهما تأخّر الوقت، ولكن نتنياهو يصرّ للأسف على مواصلة سفك الدماء ويقيس الأمور على ميزان حرارة لم يعد صالحاً، ويتمثل في ما يعتبرها إنجازات حققها منذ فترة، الّا أنّها توقفت وبالتالي بدأ الوضع الميداني للعدو الاسرائيلي يتخذ مساراً انحدارياً، فلماذا الاستمرار في تضييع الوقت؟».
وبناءً على الحقائق الموضوعية، فإنّ ارتفاع فاتورة الخسائر الإسرائيلية اقتصادياً وبشرياً خلال الأيام الماضية، والمتوقع تصاعده، سيرفد المفاوض الرسمي بورقة قوة من شأنها أن تدفع نحو تسوية سياسية اكثر انسجاماً مع مطالب لبنان، عاجلاً أم آجلاً، الامر الذي يستدعي بعد قليلاً من الصبر والتحمّل.