بين قائد الجيش العماد جوزف عون والقصر الجمهوري في بعبدا الرقم 86 من أصوات المقترعين من النواب الـ128 في الانتخابات المقررة في 9 يناير 2025.
رقم غير سهل في ظل وفرة المرشحين، وتحرك بعضهم واستهلال البعض الآخر حراكه الانتخابي، كما حصل مع الخبير المصرفي الدولي سمير عساف، المدعوم فرنسيا، والمقبول من الكتلتين المسيحيتين الكبيرتين.
رقم الـ 86 بات صعبا على قائد الجيش بعد اعتبار الكتلة الناخبة المسيحية أن خطوة الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بترشيحه قد استفزتها.
وبات هذا الرقم يمكن توفيره من طريق الرئيس نبيه بري، الذي كان لفت نظر مراجعيه المطالبين بانتخاب العماد عون رئيسا، وفي طليعتهم السفيرة الأميركية ليزا جونسون، ان قائد الجيش يحتاج تعديلا دستوريا. وقصد الرئيس بري نيل القائد الرقم 86 كحد أدنى في الانتخابات، وهذا يتطلب تأمين توافق بين كتل ناخبة كبرى، ليس دونها إحدى كتلتي «التيار الوطني الحر» والكتلة الأكبر في البرلمان «القوات اللبنانية».
وقد قصد بري تأمين توافق حول قائد الجيش يتيح له أن يستهل عهده في بعبدا بمشاركة واسعة من أهل السياسة في حكومة العهد الأولى.
ولفت أيضا ما تسرب من معلومات بشأن أن أحد طرفي «الثنائي» وتحديدا «حزب الله» لم يسلم بانتخاب عون. وأفادت المعلومات بأن «الحزب» كان وراء ثني المرشح سليمان فرنجية عن الانسحاب من السباق الرئاسي وإعلان دعمه لقائد الجيش.
الوضع الرئاسي الآن في بيروت: قائد الجيش متقدم بين مرشحين، وعبوره إلى القصر الجمهوري رهن تأمين توافق أو «مونة» أميركية يبقى «التيار الوطني الحر» بمفرده خارج المؤيدين، وينتقل بالتالي إلى صفوف المعارضة، وهذا أمر غير قابل للنقاش لدى رئيس «التيار» النائب جبران باسيل، الرافض عقد أي صفقة تتعلق بتولي قائد الجيش رئاسة الجمهورية، علما أن الرئيس العماد ميشال عون كان قد تشدد في بداية عهده وقبل انتقاله إلى قصر بعبدا في اختيار قائد اللواء التاسع العميد جوزف عون (وقتذاك) لتولي منصب قائد الجيش.
إلا أن احتجاجات 17 أكتوبر 2019 غير المسبوقة في تاريخ البلاد وعدم استجابة قائد الجيش لطلب رئيس الجمهورية في فتح الطرقات باعدا بين عون الرئيس وعون القائد.
في أي حال، الأيام الفاصلة عن 9 يناير موعد الجلسة الـ13 لانتخاب الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية منذ الاستقلال ستشهد المزيد من التطورات، وربما تأرجحا في بورصة المرشحين، الساعين إلى الرقم 65، وهذا لا يعتبر رقم حظ رئاسيا للقائد، إذ يحتاج إلى الرقم 86.
وقال مرجع سياسي لـ«الأنباء»: «الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة لجهة تحديد مسار الانتخابات الرئاسية، وكيف ستكون المواجهة في 9 يناير المقبل، مع إصرار معظم القوى السياسية والأطراف العربية والدولية الراعية لمسار التوافق اللبناني على إنهاء الشغور الرئاسي، وتاليا البدء بإعادة بناء الدولة».
وأضاف: «بعد الإعلان الصريح من اللقاء الديموقراطي عن دعم ترشيح العماد جوزف عون الذي يلقى تأييدا خارجيا واضحا، فإما أن يكون هناك مرشح يواجه العماد عون ويحظى بدعم من كتل وازنة ومؤثرة سياسيا ووطنيا، أو ان الأمور ستتجه نحو قائد الجيش، وان انتخابه يتطلب موافقة وتأييدا واسعا بما يسمح بتعديل الدستور الذي يتطلب موافقة 86 نائبا».
ولا تستبعد مصادر نيابية ان يدخل في هذا الإطار موقف رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، الذي يتموضع في موقع بين الاستمرار بالترشيح والانسحاب، في محاولة لدعوة الأطراف التي أيدت ترشيحه سابقا، أو التي يمكن أن تؤيده لاتخاذ الموقف الصريح والعلني.
وعلى أساس ذلك، يمكن ان يستمر في الترشيح او ينسحب ويدعم مرشحا آخر. وفي أسوأ الاحتمالات قد يمتنع فرنجية عن دعم أحد، فيما لو وجد أن الظروف غير مؤاتيه لأحد حلفائه بمواجهة جدية في جلسة الانتخاب المنتظرة.
وتتوقع المصادر ان تظهر خلال الأيام المقبلة مواقف الكتل المستقلة، والتي تتكون بمعظمها من نواب الطائفة السنية، والتي يمكن أن تعلن مواقف صريحة لجهة دعم ترشيح قائد الجيش أو التريث، إضافة إلى «الثنائي الشيعي» الذي تشير مصادره إلى انه ليس في عجلة من أمره وينتظر «غربلة» المواقف حتى النهاية، وان موقفه سيكون موحدا ليس على غرار العام 2016، عندما دعم «حزب الله» ترشيح الرئيس ميشال عون بقوة، مقابل رفض بالمستوى نفسه من كتلة الرئيس نبيه بري وامتناعها عن التصويت له.
وتضيف المصادر:«من الواضح والمؤكد أن الظروف مختلفة اليوم بعد الخروج من الحرب وحجم الدمار الناتج عنها، والذي يضغط بقوة على الثنائي. وما سيتخذه الأخير سيكون حسبان هذا الأمر في صلب موقفه لجهة مسار موضوع الإعمار في ظل العجز الكلي للدولة، وعدم حصول أي إعلان صريح من أي دولة بالتعهد بإعادة الإعمار، مع الاقتراب من مرور شهر على وقف إطلاق النار».
وتابعت المصادر: « ويؤخذ في الحسبان أيضا أن أي دعم مالي سيكون الموضوع الرئاسي جزءا منه أو في حساباته، والمبالغ المطلوبة ليست قليلة وليس بالأمر السهل توفيرها. ولا شك أنها ستكون بأساسيات الوضع في لبنان للمرحلة المقبلة، وفي مقدمة ذلك رئاسة الجمهورية وهوية الرئيس الذي سيتولى مهمة قيامة الدولة».
جنوبا، لاتزال الاعتداءات الإسرائيلية تحت عنوان الخروقات تثير القلق، خصوصا أن استمرارها يؤدي إلى اهتزاز اتفاق وقف إطلاق النار. ورغم إثارة هذا الأمر من قبل الوفد اللبناني في اجتماع لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق قبل يومين، لم يمكن الوصول إلى جدوى، وقد غابت الأجوبة الواضحة أو الوعود بوقف الانتهاكات. واستمرت عمليات التجريف وهدم المنازل، إضافة إلى تفجيرات كبيرة تهز الجنوب يوميا، إلى عرقلة انتشار الجيش اللبناني في سعيه إلى رفع الجثث من تحت الأنقاض.
وفيما يرى البعض أن هذه الممارسات تأتي في إطار الاتفاق لإزالة البنى العسكرية لـ«حزب الله»، فإن استمرارها بعد مهلة الستين يوما ستكون له نتائج سلبية جدا.
في الجنوب أيضا، بدأت تصل أخبار عن عودة مقاتلين من «حزب الله» إلى عائلاتهم، بعد فترة طويلة من انقطاع الاتصال بهم أثناء الحرب، سواء من القيادة العسكرية للحزب أو من الأهالي. وتمكنت «الأنباء» من متابعة عملية عودة أحد المقاتلين، وقد بدا شارد الذهن وارتسمت علامات الشيخوخة على وجهه، وفقد كيلوغرامات عدة من وزنه. في حين تمكنت فرق الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني بمؤازرة الجيش، من سحب جثث عالقة تحت الأنقاض. وأدرج آخرون في خانة «انقطاع الاتصال بهم»، وهي العبارة التي ينقلها الحزب إلى ذويهم وعائلاتهم.
المصدر : الأنباء